معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٨

الذى عندى أنها للتعليل حقيقة ، وأنهم التقطوه ليكون لهم عدوا ، وذلك على حذف مضاف تقديره لمخافة أن يكون ، كقوله (١) : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، أى كراهة أن تضلوا.

والتأكيد ، وهى الزائدة أو المقوية للعامل الضعيف لفرعية أو تأخير ، نحو (٢) : (رَدِفَ لَكُمْ). ((٣) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ). ((٤) وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ). ((٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ). ((٦) إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ). ((٧) وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ).

والتبيين للفاعل أو المفعول ، نحو (٨) : (فَتَعْساً لَهُمْ). ((٩) هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ). ((١٠) هَيْتَ لَكَ).

والناصبة هى لام التعليل ، وادعى الكوفيون النصب بها. وقال غيرهم : بأن مقدرة فى محل جر باللام.

والجازمة هى لام الطلب ، وحركتها الكسر. وسليم يفتحونها ، وإسكانها بعد الواو والفاء أكثر من تحريكها ، نحو (١١) : (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي). وقد تسكن بعد ثمّ ؛ نحو (١٢) : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ). وسواء

__________________

(١) النساء : ١٧٦

(٢) النمل : ٧٢ ، وفى المغنى : بل ضمن ردف معنى اقترب.

(٣) النساء : ٢٦ ، وفى المغنى : واختلف فى اللام من نحو : يريد الله ليبين لكم. وأمرنا لنسلم لرب العالمين ، فقيل زائدة ، وقيل للتعليل.

(٤) الأنعام : ٧١

(٥) هود : ١٠٧

(٦) يوسف : ٤٣

(٧) الأنبياء : ٧٨

(٨) محمد : ٨

(٩) المؤمنون : ٣٦

(١٠) يوسف : ٢٣

(١١) البقرة : ١٨٦

(١٢) الحج : ٢٩

٢٤١

كان الطلب أمرا ؛ نحو (١) : (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ). أو دعاء ؛ نحو (٢) : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ).

وكذا لو خرجت إلى الخبر ؛ نحو (٣) : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا). ((٤) وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ). أو التهديد ؛ نحو (٥) : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).

وجزمها فعل الغائب كثير ؛ نحو (٦) : فلتقم طائفة منهم معك. وليأخذوا أسلحتهم. فليكونوا من ورائكم. ولتأت طائفة. فليصلوا معك.

وفعل المخاطب قليل ؛ ومنه (٧) : «فبذلك فلتفرحوا» ـ فى قراءة التاء. وفعل المتكلم أقل ؛ ومنه (٨) : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ).

***

وغير العاملة أربع :

لام الابتداء ؛ وفائدتها أمران : توكيد مضمون الجملة ؛ ولهذا زحلقوها فى باب إن من صدر الجملة كراهة توالى مؤكّدين. وتخليص المضارع للحال.

وتدخل فى المبتدأ ؛ نحو (٩) : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ).

وفى خبر إن ؛ نحو (١٠) : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ). ((١١) إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ

__________________

(١) الطلاق : ٧

(٢) الزخرف : ٧٧

(٣) مريم : ٧٥

(٤) العنكبوت : ١٢

(٥) الكهف : ٢٩

(٦) النساء : ١٠٢

(٧) يونس : ٥٨

(٨) العنكبوت : ١٢

(٩) الحشر : ١٣

(١٠) إبراهيم : ٣٩

(١١) النحل : ١٢٤

٢٤٢

بَيْنَهُمْ). ((١) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). واسمها المؤخر ؛ نحو (٢) : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ).

واللام الزائدة فى خبر أن المفتوحة ، كقراءة سعيد بن جبير (٣) : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ). والمفعول ؛ كقوله تعالى (٤) : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ).

ولام الجواب للقسم أو «لو» أو لو لا ؛ نحو (٥) : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا). ((٦) تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ). ((٧) لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا). ((٨) وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ).

واللام الموطّئة ، وتسمى المؤذنة ؛ وهى الداخلة على أداة شرط للايذان بأن الجواب بعدها مبنىّ على قسم مقدّر ؛ نحو (٩) : (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ).

وخرّج عليه قراءة قوله تعالى (١٠) : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ).

(لَا) : على أوجه : أحدها أن تكون نافية ، وهى أنواع :

أحدها ـ أن تعمل عمل إنّ ، وذلك إذا أريد بها الجنس على سبيل التنصيص ، وتسمى حينئذ تبرئة ، وإنما يظهر نصبها إذا كان اسمها مضافا أو شبهه ، وإلا فيركّب معها ، نحو : لا إله إلّا الله. لا ريب فيه. فإن تكرّرت جاز التركيب والرفع ، نحو :

__________________

(١) القلم : ٤

(٢) الليل : ١٢

(٣) الفرقان : ٢٠

(٤) الحج : ١٣

(٥) يوسف : ٩١

(٦) الأنبياء : ٥٧

(٧) الفتح : ٢٥

(٨) البقرة : ٢٥١

(٩) الحشر : ١٢

(١٠) آل عمران : ٨١

٢٤٣

((١) فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ). ((٢) لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ).

((٣) لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ).

ثانيها ـ أن تعمل عمل ليس ؛ نحو (٤) : (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

ثالثها ورابعها ـ أن تكون عاطفة أو جوابية. ولم يقعا فى القرآن.

خامسها ـ أن تكون على غير ذلك ؛ فإن كان ما بعدها جملة اسمية صدرها معرفة أو نكرة ولم تعمل فيها ، أو فعلا ماضيا لفظا أو تقديرا وجب تكرارها ، نحو (٥) : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ). ((٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ). ((٧) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى).

أو مضارعا لم يجب (٨) ، نحو (٩) : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ [١٤٣ ا] بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ). ((١٠) قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً).

وتعترض (لا) هذه بين الناصب والمنصوب ، نحو : لئلا يكون للناس. والجازم والمجزوم ؛ نحو : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ).

والوجه الثانى : أن تكون لطلب التّرك ، فتخص بالمضارع ، وتقتضى جزمه واستقباله ، سواء كان نهيا ، نحو (١١) : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي). ((١٢) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ). ((١٣) وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ، أو دعاء ، نحو : (لا تُؤاخِذْنا).

__________________

(١) البقرة : ١٩٧

(٢) البقرة : ٢٥٤

(٣) الطور : ٢٣

(٤) يونس : ٦١

(٥) يس : ٤٠

(٦) الصافات : ٤٧

(٧) القيامة : ٣١

(٨) أى لم يجب تكرارها.

(٩) النساء : ١٤٨

(١٠) الأنعام : ٩٠

(١١) الممتحنة : ١

(١٢) آل عمران : ٢٨

(١٣) البقرة : ٢٣٧

٢٤٤

الثالث : التأكيد ، وهى الزائدة ، نحو (١) : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) ، ((٢) ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ). ((٣) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) ؛ أى ليعلموا. قال ابن جنى : لا هنا مؤكّدة قائمة مقام إعادة الجملة مرة أخرى.

واختلف فى قوله (٤) : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) ؛ فقيل زائدة ، فائدتها مع التوكيد التمهيد لنفى الجواب ، والتقدير : لا أقسم بيوم القيامة لا تتركون سدى. ومثله (٥) : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ). ويؤيده قراءة لأقسم. وقيل : لا نافية لما تقدم عنهم من إنكار البعث ، فقيل لهم : ليس الأمر كذلك ، ثم استؤنف القسم. قالوا : وإنما صح ذلك لأن القرآن كله كالسورة الواحدة ، ولذا يذكر الشيء فى سورة وجوابه فى سورة أخرى ؛ نحو : (وَقالُوا (٦) : يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ). ((٧) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ).

وقيل : منفيّها أقسم على أنه إخبار لا إنشاء. واختاره الزمخشرى (٨) ؛ قال : والمعنى فى ذلك أنه لا يقسم بالشىء إلا إعظاما له ، بدليل (٩) : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) ، فكأنه قيل : إن إعظامه بالإقسام به كلا إعظام ، أى أنه يستحق إعظاما فوق ذلك.

واختلف فى قوله (١٠) : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ

__________________

(١) الأعراف : ١٢

(٢) طه : ٩٢

(٣) الحديد : ٢٩

(٤) القيامة : ١

(٥) النساء : ٦٥

(٦) الحجر : ٦

(٧) القلم : ٢

(٨) فى الكشاف (٢ ـ ٤٧٩) : يتعلق بمجنون منفيا ، كما يتعلق بعاقل مثبتا فى قولك : أنت بنعمة الله عاقل مستويا فى ذلك الإثبات والنفى.

(٩) الواقعة : ٧٥

(١٠) الأنعام : ١٥١

٢٤٥

أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ؛ فقيل نافية. وقيل ناهية. وقيل زائدة. وفى قوله (١) : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ؛ فقيل : زائدة. وقيل نافية. والمعنى ممتنع عدم رجوعهم إلى الآخرة.

تنبيه

ترد (لَا) اسما بمعنى غير ، فيظهر إعرابها فيما بعدها ؛ نحو (٢) : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ). ((٣) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ). ((٤) لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ).

فائدة

قد تحذف ألفها ؛ وخرّج عليه ابن جنى (٥) : «واتقوا فتنة لتصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة».

(لاتَ) : اختلف فيها ؛ فقال قوم : فعل ماض بمعنى نقص. وقيل أصلها ليس (٦) ، تحركت الياء فقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها ، وأبدلت السين تاء. وقيل هى كلمتان : لا النافية زيدت عليها التاء لتأنيث الكلمة ، وحركت لالتقاء الساكنين ، وعليه الجمهور. وقيل هى لا النافية والتاء زائدة فى أول الحين. واستدل له أبو عبيدة بأنه وجدها فى مصحف عثمان مختلطة بحين فى الخط.

واختلف فى عملها ؛ فقال الأخفش : لا تعمل شيئا ؛ فإن تلاها مرفوع فمبتدأ

__________________

(١) الأنبياء : ٩٥

(٢) الفاتحة : ٦

(٣) الواقعة : ٣٣

(٤) البقرة : ٦٨

(٥) الأنفال : ٢٥ ، أى فى قراءتها كذلك. وقراءة حفص : لا تصيبين.

(٦) بكسر الياء : المعنى (١ ـ ١٩٨).

٢٤٦

وخبر ، أو منصوب فبفعل محذوف ؛ فقوله تعالى (١) : (وَلاتَ حِينَ) ـ بالرفع ، أى كائن لهم. وبالنصب أى لا أرى حين مناص.

وقيل تعمل عمل إن.

وقال الجمهور : تعمل عمل ليس ؛ وعلى كلّ قول لا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين ، ولا تعمل إلا فى لفظ الحين. قيل : أو ما رادفه. قال الفراء : وقد تستعمل حرف جر لأسماء الزمان خاصة. وخرّج عليه قراءة : ولات حين ـ بالجر.

(لا جَرَمَ) : وردت فى القرآن فى خمسة (٢) مواضع متلوّة بأنّ واسمها ، ولم يجئ بعدها فعل. واختلف فيها ؛ فقيل : لا نافية لما تقدّم ، و (جَرَمَ) فعل معناه حقّ ، وأن مع ما فى حيّزها (٣) فاعله.

وقيل : زائدة ، و (جَرَمَ) معناه كسب ؛ أى كسب لهم عملهم الندامة ، وما فى حيّزها فى موضع نصب.

وقيل : هما كلمتان ، ركّبتا وصار معناها حقا. وقيل معناها لا بد ، وما بعدها فى موضع نصب بها بإسقاط حرف الجرّ.

(لكِنَّ) ـ مشدّدة النون : حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر. ومعناه الاستدراك ، وفسّر بأن ينسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها ، ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام مخالف لما بعدها أو مناقض له ؛ نحو (٤) : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا).

__________________

(١) ص : ٣

(٢) الأول فى هود ، وثلاثة فى النحل ، والخامس فى غافر.

(٣) فى ب : حيزه. والمثبت فى الإتقان (٢ ـ ٢٣١) ، والبرهان : ٤ ـ ٣٦٢

(٤) البقرة : ١٠٢

٢٤٧

وقد ترد للتوكيد مجردا عن الاستدراك ؛ قاله صاحب البسيط ، وفسر الاستدراك [١٤٣ ب] برفع ما توهّم ثبوته ؛ نحو : ما زيد شجاع ، لكنه كريم ؛ لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان ، فنفى أحدهما يوهم نفى الآخر. ومثّل للتوكيد بنحو : لو جاءنى أكرمته ، لكنه لم يجيء ، فأكدت ما أفادته «لو» من الامتناع.

واختار ابن عصفور أنها لهما معا ، وهو المختار ، كما أن كأن للتشبيه المؤكد ، ولهذا قال بعضهم : إنها مركبة من لكن أن فطرحت الهمزة للتخفيف ونون لكن للساكنين.

(لكِنْ) ـ مخفّفة : ضربان :

أحدهما ـ مخفّفة من الثقيلة ، وهى حرف ابتداء لا تعمل ، بل لمجرد إفادة الاستدراك ، وليست عاطفة لاقترانها بالعاطف فى قوله : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ).

والثانى ـ عاطفة إذا تلاها مفرد ، وهى أيضا للاستدراك ، نحو (١) : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ). ((٢) لكِنِ الرَّسُولُ). ((٣) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ).

ويأتى لذى ، ولدن ، عند حرف العين فى (عِنْدَ).

(لَعَلَّ) حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر. وله معان ؛ أشهرها التوقّع ، وهو الترجّى فى المحبوب ، نحو : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والإشفاق فى المكروه ، نحو (٤) : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ). وذكر التّنوخى أنها تفيد توكيد ذلك.

__________________

(١) النساء : ١٦٦

(٢) التوبة : ٨٨

(٣) آل عمران : ١٩٨

(٤) الشورى : ١٧

٢٤٨

الثانى : التعليل ، وخرّج عليه (١) : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى).

الثالث : الاستفهام ، وخرّج عليه (٢) : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً). ((٣) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى). ولذا علق «يدرى».

قال فى البرهان (٤) : وحكى البغوى عن الواقدى أن جميع ما فى القرآن من (لَعَلَّ) فإنها للتعليل ، إلا قوله تعالى (٥) : (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ، فإنها للتشبيه ، قال : وكونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة ، ووقع فى صحيح البخارى فى قوله : (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ـ أن لعل للتشبيه. وذكر غيره أنها للرجاء المحض ، وهو بالنسبة إليهم.

قلت : أخرج ابن أبى حاتم من طريق السدىّ عن أبى مالك ، قال : (لَعَلَّكُمْ) فى القرآن بمعنى (كَيْ) ، غير آية فى الشعراء : ((٦) لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ، بمعنى كأنكم تخلدون.

وأخرج عن قتادة قال : كان فى بعض القراءة : وتتخذون مصانع كأنكم خالدون.

(لَمْ) : حرف جزم لنفى المضارع وقلبه ماضيا ؛ نحو (٧) : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ). والنصب بها لغة ـ حكاه اللحيانى. وخرّج عليه قراءة : ألم نشرح.

__________________

(١) طه : ٤٤

(٢) الطلاق : ١

(٣) عبس : ٣

(٤) البرهان : ٤ ـ ٣٩٤

(٥) الشعراء : ١٢٩

(٦) الشعراء : ١٢٩

(٧) الإخلاص : ٣

٢٤٩

(لَمَّا) : على أوجه : أحدها ـ أن تكون حرف جزم ، فتختصّ بالمضارع وتنفيه وتقلبه ماضيا ، كلم ، لكن يفترقان من أوجه :

أحدها ـ أنها لا تقترن بأداة شرط ، ونفيها مستمر إلى الحال أو قريب منه ، ومتوقع ثبوته.

قال ابن مالك فى : ((١) لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) : المعنى لم يذوقوه ، وذوقه لهم متوقّع.

وقال الزمخشرى (٢) فى (٣) : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ـ ما فى (لَمَّا) بمعنى (٤) التوقع ، دالّ على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد ، وإن نفيها آكد من نفى لم ؛ فهى لنفى قد فعل ، ولم لنفى فعل ؛ ولهذا قال الزمخشرى فى الفائق تبعا لابن جنى : إنها مركبة من «لم» و «ما» ، وإنهم لما (٥) زادوا فى الإثبات «قد» زادوا فى النفى «ما» ، وإن منفىّ (٦) لما جائز الحذف اختيارا ، بخلاف لم ، وهى أحسن ما يخرج عليه (٧) : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ؛ أى لما يهملوا أو يتركوا ؛ قاله ابن الحاجب.

قال ابن هشام (٨) : ولا أعرف وجها فى الآية أشبه من هذا ، وإن كانت النفوس تستبعده ؛ لأن مثله لم يقع فى التنزيل. قال : والحقّ ألّا يستبعد ، لكن الأولى أن يقدر لما يوفوا أعمالهم ، أى أنهم إلى الآن لم يوفوها وسيوفّوها.

__________________

(١) ص : ٨

(٢) الكشاف : ٤ ـ ٢٩٩

(٣) الحجرات : ١٤

(٤) فى المغنى (١ ـ ٢١٤) : من معنى التوقع.

(٥) فى البرهان ٤ ـ ٣٧١ : تقول (قام زيد ، فيقول المجيب بالنفى) لم يقم (فإن قلت) قد قام. قلت : لما يقم ، لما زاد فى الاثبات قد زاد فى النفى ما.

(٦) فى البرهان : يجوز الوقف عليها دون مجزومها.

(٧) هود : ١١١

(٨) فى المغنى (١ ـ ٢١٤).

٢٥٠

الثانى ـ أن تدخل على الماضى ، فتقضى جملتين ، وجدت الثانية عن وجود الأولى ؛ نحو (١) : (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ).

ويقال فيها حرف وجود لوجود. وذهب جماعة إلى أنها حينئذ ظرف بمعنى حين. وقال ابن مالك : بمعنى إذ ، لأنها مختصة بالماضى وبالإضافة إلى الجملة. وجواب هذه يكون ماضيا كما تقدم ، وجملة اسمية بالفاء أو بإذا الفجائية ؛ نحو (٢) : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ). ((٣) فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ). وجوّز ابن عصفور كونه مضارعا ؛ نحو (٤) : (فَلَمَّا ذَهَبَ [١٤٤ ب] عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا). وأوّله غيره ب «جادلنا».

الثالث ـ أن تكون حرف استثناء ، فتدخل على الاسمية والماضية ؛ نحو (٥) : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) ـ بالتشديد ، أى «إلا». ((٦) وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا).

(لَنْ) : حرف نصب ونفى واستقبال. والنفى بها أبلغ من النفى بلا ، فهى لتأكيد النفى ، كما ذكره الزمخشرى وابن الخباز ، حتى قال بعضهم : إن منعه مكابرة ، فهى لنفى «إنى أفعل» ، و «لا» لنفى «أفعل» ، كما فى لم ، ولما. قال بعضهم : العرب تنفى المظنون بلن والمشكوك بلا. ذكره ابن الزّملكانىّ فى التبيان ، وادّعى الزمخشرى أيضا أنها لتأييد النفى ؛ كقوله تعالى (٧) : (لَنْ

__________________

(١) الإسراء : ٦٧

(٢) لقمان : ٣٢

(٣) العنكبوت : ٦٥

(٤) هود : ٧

(٥) الطارق : ٤

(٦) الزخرف : ٣٥

(٧) الحج : ٧٣

٢٥١

يَخْلُقُوا ذُباباً). ولن تفعلوا. قال ابن مالك : وحمله على ذلك اعتقاده فى (لَنْ تَرانِي) أنّ الله لا يرى.

وردّه غيره بأنها لو كانت للتأييد لم يقيّد منفيها باليوم فى (١) : «لن (أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) ، ولم يصح التوقيت فى (٢) : «لن (أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي). ((٣) لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) ، ولكان ذكر الأبد فى (٤) : (لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) ـ تكرار. والأصل عدمه. واستفادة التأييد فى (٥) : (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) ونحوه ، من خارج.

ووافقه على إفادة التأييد ابن عطية. وقال فى قوله : لن ترانى : لو أبقينا على هذا النفى لتضمن أن موسى لا يراه أبدا ولا فى الآخرة ، لكن ثبت فى الحديث المتواتر أن أهل الجنة يرونه.

وعكس ابن الزملكانى مقلة الزمخشرى ؛ فقال إن «لن» لنفى ما قرب وعدم امتداد النفى ؛ و «لا» يمتد معها النفى. قال : وسرّ ذلك أن الألفاظ مشاكلة للمعانى ، ولأن آخرها الألف فاللام (٦) يمكن امتداد الصوت بهما بخلاف النون ، فطابق كلّ لفظ معناه. قال : ولذلك أتى بلن حيث لم يرد به النفى مطلقا ، بل فى الدنيا حيث قال : لن ترانى ، وبلا فى قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) حيث أراد نفى الإدراك على الإطلاق. وهو مغاير للرؤية.

وترد للدعاء ؛ وخرج عليه (٧) : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ).

__________________

(١) مريم : ٢٦

(٢) يوسف : ٨٠

(٣) طه : ٩١

(٤) البقرة : ٩٥

(٥) الحج : ٧٣

(٦) فى الإتقان (٢ ـ ٢٣٦) : والألف يمكن امتداد الصوت بها.

(٧) القصص : ١٧

٢٥٢

(لَوْ) : حرف شرط فى المضى تصرف (١) المضارع إليه ، بعكس «إن» الشرطية.

واختلف فى إفادتها الامتناع ، وكيفية إفادتها إياه على أقوال :

أحدها ـ أنها لا تفيده بوجه ، ولا تدل على امتناع الشرط ولا امتناع الجواب ؛ بل هى لمجرد ربط الجواب بالشرط دالة على التعليق فى الماضى ، كما دلت إن على التعليق فى المستقبل ، ولم تدل بالإجماع على امتناع ولا ثبوت.

قال ابن هشام (٢) : وهذا القول كإنكار الضروريات ؛ إذ فهم الامتناع منها كالبديهى ؛ فإن كل من سمع «لو فعل» فهم عدم وقوع الفعل من غير تردد ؛ ولهذا جاز استدراكه ، فتقول : لو جاء زيد لأكرمته لكنه لم يجيء.

ثانى ـ وهو لسيبويه ، قال : إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ؛ أى أنها تقتضى فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره ، والمتوقع غير واقع ؛ فكأنه قال : حرف يقتضى فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته.

الثالث ـ وهو المشهور على ألسنة النحاة ومشى عليه المعربون ـ أنها حرف امتناع لامتناع ؛ أى يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط ؛ فقولك : «لو جئت لأكرمتك» دالّ على امتناع الإكرام لامتناع المجيء.

واعترض بعدم امتناع الجواب فى مواضع كثيرة ؛ كقوله تعالى (٣) : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ). ((٤) وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ؛ فإن عدم النفاد عند فقد ما ذكر ، والتولّى عند عدم الإسماع أولى.

__________________

(١) فى الإتقان (٢ ـ ٢٣٦) : يصرف.

(٢) المغنى : ١ ـ ٢٠٠

(٣) لقمان : ٢٧

(٤) الأنفال : ٢٣

٢٥٣

الرابع ـ وهو لابن مالك ـ أنها حرف يقتضى امتناع ما يليه و (١) استلزامه لتاليه من غير تعرّض لنفى التالى ؛ قال : فقيام زيد فى قولك : لو قام زيد لقام عمرو محكوم بانتفائه ، وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو. وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له؟ لا تعرّض لذلك. قال ابن هشام (٢) : وهذه أجود العبارات.

فوائد

الأولى : أخرج ابن أبى حاتم من طريق الضحّاك عن ابن عباس ، قال : كل شىء فى [١٤٥ ا] القرآن (لَوْ) فإنه لا يكون أبدا.

الثانية : تختص (لَوْ) المذكورة بالفعل. وأما نحو (٣) : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) فعلى تقديره (٤).

قال الزمخشري : وإذا أوقعت أن بعدها وجب كون خبرها فعلا ، ليكون عوضا عن الفعل المحذوف.

وردّه ابن الحاجب بآية : ولو أن ما فى الأرض. وقال : إنما ذلك إذا كان مشتقا لا جامدا. ورده ابن مالك بقوله :

لو أنّ حيّا مدرك الفلاح

أدركه ملاعب الرّماح

قال ابن هشام (٥) : وقد وجدت آية فى التنزيل وقع فيها الخبر اسما مشتقا ولم ينتبه لها الزمخشري ، كما لم ينتبه لآية لقمان ؛ ولا ابن الحاجب ، وإلا لما منع ذلك ،

__________________

(١) فى ا : أو.

(٢) المغنى : ١ ـ ٢٠٣

(٣) الإسراء : ١٠٠

(٤) أى على تقدير الفعل

(٥) المغنى : ١ ـ ٢٧٠

٢٥٤

ولا ابن مالك وإلّا لما استدل بالشعر ؛ وهى قوله تعالى (١) : (يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ). ووجدت آية الخبر فيها ظرف ؛ وهى (٢) : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ).

وردّ ذلك الزركشى فى البرهان (٣) وابن الدمامينى ـ بأنّ (لَوْ) فى الآية الأولى للتمنى ، والكلام فى الامتناعية. وأعجب من ذلك أن مقالة الزمخشرى سبقه إليها السّيرافىّ. وهذا الاستدراك وما استدرك به منقول قديما فى شرح الإيضاح لابن الخباز ، لكن فى غير مظنته ؛ فقال فى باب «إنّ وأخواتها» : قال السّيرافى تقول : لو أن زيدا قام لأكرمته. ولا يجوز لو أن زيدا حاضر لأكرمته ؛ لأنك لم تلفظ بفعل يسد مسدّ ذلك الفعل. هذا كلامه. وقد قال الله تعالى (٤) : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ). فأوقع خبرها صفة ؛ ولهم أن يفرّقوا بأن هذه للتمنى فأجريت مجرى ليت ، كما تقول ليتهم بادون. انتهى كلامه.

وجواب لو إما مضارع منفى بلم أو ماض مثبت أو منفى بما. والغالب على الثبت دخول اللام عليه ، نحو (٥) : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً). ومن تجرده (٦) : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً). والغالب على المنفى تجرّده ؛ نحو (٧) : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ).

الثالثة : قال الزمخشري : الفرق بين قولك : لو جاءنى زيد أكرمته. ولو زيد جاءنى لكسوته. ولو أن زيدا جاءنى لكسوته ـ أن القصد فى الأولى

__________________

(١) الأحزاب : ٢٠

(٢) الصافات : ١٦٨

(٣) البرهان : ٤ ـ ٣٧٠

(٤) الأحزاب : ٢٠

(٥) الواقعة : ٦٥

(٦) الواقعة : ٧٠

(٧) الأنعام : ١١٢

٢٥٥

مجرد ربط الفعلين وتعليق أحدهما بصاحبه لا غير ، من غير تعرض لمعنى زائد على التعلق الساذج. وفى الثانى انضم إلى التعليق أحد معنيين ؛ إما نفى الشك والشبهة ، وأن المذكور مكسو لا محالة. وإما بيان أنه هو المختص بذلك دون غيره. ويخرّج عليه آية (١) : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ). وفى الثالث مع ما فى الثانى زيادة التأكيد الذى تعطيه «أن» ، وإشعار بأن زيدا كان حقه أن يجيء وأنه بتركه المجيء قد أغفل حظّه. ويخرج عليه (٢) : (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) ، ونحوه. فتأمل ذلك. وخرج عليه ما وقع فى القرآن من أحد الثلاثة.

تنبيه

ترد (لَوْ) شرطية فى المستقبل ، وهى التى يصلح موضعها إن ؛ نحو (٣) : (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ). ((٤) وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ).

ومصدرية ، وهى التى يصلح موضعها أنّ المفتوحة ، وأكثر وقوعها بعد (وَدَّ) ونحوه ؛ نحو (٥) : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ). ((٦) يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ). ((٧) يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ). أى يود التعمير والافتداء (٨).

__________________

(١) الاسراء : ١٠٠

(٢) الحجرات : ٥

(٣) التوبة : ٣٣

(٤) الأحزاب : ٥٢

(٥) البقرة : ١٠٩

(٦) البقرة : ٩٦

(٧) المعارج : ١١

(٨) فى البرهان : ٤ ـ ٣٧٤ : ولم يذكر الجمهور مصدرية لو ، وتأولوا الآيات الشريفة على حذف مفعول «يَوَدُّ» ، وحذف جواب «لَوْ» ، أى يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة كره ذلك. وانظر كذلك المغنى (١ ـ ٢٠٦) ، إذ قال : ولا خفاء بما فى ذلك من التكلف.

٢٥٦

وللتمنى ، وهى التى يصلح موضعها ليت ، نحو (١) : (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ). ولهذا نصب الفعل فى جوابها.

والتعليل ، وخرج عليه (٢) : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ).

(لَوْ لا) على أوجه :

أحدها ـ أن تكون حرف امتناع لوجود ، فتدخل على الجملة الاسمية ويكون جوابها فعلا مقرونا باللام إن كان مثبتا ، نحو (٣) : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ). ومجردا منها إن كان منفيا ؛ نحو (٤) : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً). وإن وليها ضمير فحقّه أن يكون ضمير رفع ؛ نحو (٥) : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ).

الثانى ـ أن تكون بمعنى هلّا ، فهى للتحضيض والعرض فى المضارع أو ما فى تأويله ؛ نحو (٦) : (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). ((٧) لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ).

وللتوبيخ والتنديم فى الماضى ؛ نحو (٨) : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ). ((٩) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً). ((١٠) وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ). ((١١) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا). ((١٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ). ((١٣) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) [١٤٥ ب].

__________________

(١) الشعراء : ١٠٢

(٢) النساء : ١٣٥

(٣) الصافات : ١٤٣ ، ١٤٤

(٤) النور : ٢١

(٥) سبأ : ٣١

(٦) النمل : ٤٦

(٧) المنافقون : ١٠

(٨) النور : ١٣

(٩) الأحقاف : ٢٨

(١٠) النور : ١٦

(١١) الانعام : ٤٣

(١٢) الواقعة : ٨٣

(١٣) الواقعة : ٨٦

٢٥٧

الثالث ـ أن تكون للاستفهام ؛ ذكره الهروى ، وجعل منه (١) : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي). ((٢) لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ). والظاهر أنهما فيهما بمعنى هلّا (٣).

الرابع ـ أن تكون للنفى ؛ ذكره الهروى أيضا ، وجعل منه (٤) : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها) ؛ أى فما آمنت قرية ؛ أى أهلها عند مجىء العذاب فنفعها إيمانها. والجمهور لم يثبتوا ذلك ، وقالوا : المراد فى الآية التوبيخ على ترك الإيمان قبل مجىء العذاب. ويؤيّده قراءة أبىّ : فهلّا. والاستثناء حينئذ منقطع.

فائدة

نقل عن الخليل أن جميع ما فى القرآن من (لَوْ لا) فهى بمعنى هلا ، إلّا (٥) : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ). وفيه نظر لما تقدّم من الآيات. وكذا قوله (٦) : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) : «لو (لا) فيه امتناعية جوابها محذوف ؛ أى لهمّ بها ، أو لواقعها. وقوله (٧) : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا). وقوله (٨) : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) ؛ أى لأبدت به ، فى آيات أخرى.

قال ابن أبى حاتم : حدثنا موسى الخطمى ، حدثنا هارون بن أبى حاتم ، حدثنا عبد الرحمن بن أبى (٩) حماد ، عن أسباط ، عن السدى ، عن أبى مالك ، قال :

__________________

(١) المنافقون : ١٠

(٢) الأنعام : ٨

(٣) فى البرهان (٤ ـ ٣٧٨) : والظاهر أن الأولى للعرض ، والثانية مثل : لو لا جاءوا عليه بأربعة شهداء. أى للتوبيخ والتنديم.

(٤) يونس : ٩٨

(٥) الصافات : ١٤٣ ، ١٤٤

(٦) يوسف : ٢٤

(٧) القصص : ٨٢

(٨) القصص : ١٠

(٩) فى الإتقان : عبد الرحمن بن حماد.

٢٥٨

كل ما فى القرآن (فَلَوْ لا) فهو : «فهلّا» ، إلا حرفين : فى يونس (١) : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها) ؛ يقول : فما كانت قرية. وقوله (٢) : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ).

وبهذا يتضح مراد الخليل ؛ وهو أن مراده «لو لا» المقرونة بالفاء.

(لَوْ ما) : بمنزلة لو لا. قال تعالى (٣) : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ). وقال المالقى : لم ترد إلّا للتحضيض.

(لَيْتَ) : حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر ، معناه التمنى. وقال التنوخى : إنها تفيد تأكيده.

(لَيْسَ) : فعل جامد ؛ ومن ثمّ ادّعى قوم حرفيته ، ومعناه نفى مضمون الجملة فى الحال ، وينفى (٤) غيره بالقرينة. وقيل : هى لنفى الحال وغيره. وقوّاه ابن الحاجب بقوله تعالى (٥) : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) ؛ فإنه نفى للمستقبل.

قال ابن مالك : وترد للنفى العامّ المستغرق المراد به الجنس ، كلا التبرئة ؛ وهو مما يغفل عنه ، وخرّج عليه (٦) : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ).

__________________

(١) يونس : ٩٨

(٢) الصافات : ١٤٣

(٣) الحجر : ٧

(٤) فى الإتقان : ونفى غيره.

(٥) هود : ٨

(٦) الغاشية : ٦

٢٥٩

حرف الميم

نبينا ومولانا (محمد) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سمّاه الله فى القرآن بأسماء كثيرة ، وقد قدمنا أنه تعالى اشتق له من اسمه سبحانه نحو السبعين ، واختلف هل تحصى أسماؤه؟ والصحيح : لا تحصى أسماء الله وأسماء رسوله ؛ لأن كمالاتهما لا حصر لهما. ومن أعظم معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرآن المعجز للخلق عن الإتيان بمثله ؛ فعلومه منه أجمع ، ورثت أمته من علومه ما هو أوفر وأسطع ، فأجورهم وأنوارهم من بركته صلى‌الله‌عليه‌وسلم لامعة ؛ وقد ستر الله عليهم ما لم يقبل من عملها ، ولم تعاجل عصاتها ، فهم خير أمة وأقل عملا ، وصفوتهم كالملائكة ، وهم ثلثا أهل الجنة ، ويدخل الجنة منهم سبعون ألفا بغير حساب ، ومع كلّ واحد منهم سبعون ألفا وثلاث حثيات تفضّلا منه وامتنانا ، وهذه لا يدرى ما عددها ، وهم أوّل من يقضى لهم ، ويدخل الجنة ، نسأل الله بجاهه أن يهب لنا الحياة بسنته والوفاة على ملّته.

واعلم أن كل كمال فى الخلق ظاهرا أو باطنا فقد جمعه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأكمل مزيد مع ما تفرّد به ، ورؤيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمنام تعريف منه تعالى بمثال له شكل ولون وصورة ، والروح منزّه عن ذلك. وكل من تراه فى المنام إنما هو مثال محسوس لا روحه وجسده ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من رآنى فى المنام فقد رآنى ؛ أى كأنه. وفى رواية فى الصحيح : فكأنما رآنى. فالرؤيا واسطة بينه وبين أمّته تعريفا منه تعالى. قيل للأرواح قوة التشكل كالملائكة والجن بما لا يخفى ؛ نحو (١) : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا). وكتمثّل جبريل

__________________

(١) مريم : ١٧

٢٦٠